--وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ : وهم كل من عنده علم ولم يعمل به، من اليهود وغيرهم من ضلال العلماء، الذين عرفوا الحق وتركوه؛ تبعًا لأهوائهم، وأغراضهم، ومنافعهم الشخصية، يعرفون الحق الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم لا يتبعونه، بل يتبعون أهواءهم، ورغباتهم، وما تمليه عليهم عواطفهم، أو انتماءاتهم المذهبية أو غير ذلك، هؤلاء يُعتبرون من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، لأنهم عصوا الله على بصيرة، فغَضب الله عليهم
وَلَا الضَّالِّينَ : وهم الذين يعملون بغير علم، ويجتهدون في العبادة، لكنهم على غير طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كالمبتدعة والمخرّفين، الذين يجتهدون في العبادة، والزهد، والصلاة، والصيام، وإحداث عبادات ما أنزل الله بها من سلطان، ويتبعون أنفسَهم بأشياء لم يأتِ بها الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- ، هؤلاء ضالون، عملُهم مرود عليهم، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : من عمل عملا ليسَ عليه أمرنا فهو رَدٌّ .
هؤلاء هم ( الضالون ) ومنهم النصارى، وكل من عبد الله على جهل وضلال، وإن كانت نيته حسنة ومقصده طيبًا، لأنَّ العبرةَ ليستْ بالمقاصد فقط، بل العبرةُ بالاتباع .
ولهذا يُشْتَرَطُ في كلِّ عملٍ، أن يتوفَّرَ فيه شرطان، ليكونَ مقبولا عند الله، ومثابًا عليه صاحبُه :
الشرط الأول : الإخلاص لله - عز وجل -
الشرط الثاني : المتابعةُ للرسول -صلى الله عليه وسلم- قال - تعالى - :
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
وإسلام الوجهِ يعني : الإخلاصَ للهِ
والإحسانُ هو المتابعةُ للرسولِ -صلى الله عليه وسلم- .
فالله - جل وعلا - أمرَ بالاجتماعِ على الكتابِ والسنّةِ، ونهانا عن التفرقِ والاختلاف .
والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كذلك أمرنا بالاجتماع على الكتاب والسنّةِ، ونهانا عن التفرق والاختلاف ؛ لما في الاجتماع على الكتاب والسّنة من الخير العاجل والآجل، ولما في التفرقِ من المضارِ العاجلةِ والآجلة في الدنيا والآخرة
فالأمرُ يحتاجُ إلى اهتمامٍ شديدٍ، لأنه كلما تأخّر الزمانُ كَثُرتِ الفِرَقُ، وكثرتِ الدعايات، كثرتِ النِّحَلُ والمذاهبُ الباطلةُ، كثرتِ الجماعاتُ المتفرقةُ . لكن الواجب على المسلم أن يَنْظُرَ، فما وافق كتابَ الله وسنّةَ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم- أخذَ به، ممن جاءَ به، كائنًا من كان؛ لأن الحقَّ ضالةُ المؤمن .
أما ما خالف ما كان عليه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- تركَه، ولو كان مع جماعتِهِ، أو مع من ينتمي إليهم، ما دام أنهُ مخالفٌ للكتاب والسنّة؛ لأن الإنسان يريدُ النجاةَ لا يريدُ الهلاكَ لنفسه
والمجاملةُ لا تنفعُ في هذا، المسألةُ مسألةُ جنّةٍ أو نار، والإنسانُ لا تأخذُه المجاملةُ، أو يأخذه التعصّبُ، أو يأخذُه الهوى في أن ينحازَ مع غير أهل السنّةِ والجماعةِ؛ لأنه بذلك يضرُّ نفسَهُ، ويُخرِجُ نفسَه من طريق النجاةِ إلى طريقِ الهلاكِ .
وأهلُ السنّةِ والجماعةِ، لا يضُّرهم من خالفهم سواء كنتَ معهم، أو خالفتَهم . إن كنتَ معهم، أو خالفتهم . إن كنتَ معهم فالحمدُ لله، وهم يفرحون بهذا؛ لأنهم يريدون الخيرَ للناس، وإن خالفتَهم فأنتَ لا تضرُّهم، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- : لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتيَ أمرُ الله وهم كذلك .
فالمخالفُ لا يضرُّ إلا نفسَه
وليست العبرةُ بالكثرةِ، بل العبرةُ بالموافقةِ للحقِّ
، ولو لم يكنْ عليه إلا قِلَّةٌ من الناس، حتى ولو لم يكن في بعض الأزمان إلا واحدٌ من الناس؛ فهو على الحق، وهو الجماعة .
فلا يلزمُ من الجماعةِ الكثرةُ، بل الجماعةُ من وافقَ الحقَّ، ووافقَ الكتاب والسنّة، ولو كان الذي عليه قليلٌ .
أما إذا اجتمعَ كثرةٌ وحقٌّ، فالحمد لله هذا قوة .
أما إذا خالفته الكثرة، فنحن ننحازُ مع الحقِّ، ولو لم يكنْ معه إلا القليلُ .
وكما أخبرَ به -صلى الله عليه وسلم- من حصول التفرق والاختلاف قد وقَعَ، ويتطور كلما تأخَّرَ الزمان، يتطوَّرُ التفرقُ والاختلاف إلى أن تقوم الساعةُ، حكمةٌ من الله - سبحانه وتعالى -؛ ليبتلي عبادَهُ، فيتميز من كان يطلبُ الحقَّ، ممن يؤثرُ الهوى والعصبية
أَ
حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ .
وقال - سبحانه وتعالى -
وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فحصول هذا التفرق، وهذا الاختلاف؛ ابتلاءٌ من الله - سبحانه وتعالى -، وإلا فهو قادر - سبحانه - أن يجمعَهم على الحق
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى هو قادر على هذا، لكنَّ حكمتَهُ اقَتضَتْ أنْ يبتليَهم بوجودِ التفرق والاختلاف، من أجل أنْ يتميزَ طالبُ الحقِّ من طالبِ الهوى والتعصب .
وما زالَ علماءُ الأمة في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ينهون عن هذا الاختلاف، ويوصون بالتمسك بكتابِ الله وسنّةِ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم- في كتبهم التي بقيتْ بعدَهم